“٥ يونيو… يوم غاب فيه أبي ولم يغب”

في الخامس من يونيو من كل عام، يُفتح في ذاكرتي باب لا يُغلق، وتعود الرعشة القديمة التي لا تشيخ.
في هذا اليوم، منذ سبعة وخمسين عامًا، لم تكن مصر فقط على موعد مع الحرب… بل كنت أنا على موعد مبكر مع اليُتم.

ذلك اليوم المشؤوم من عام 1967 لم يكن مجرد لحظة في التاريخ. كان زلزالًا روحيًا وإنسانيًا، هزّ جدران الأسر قبل أن يطال حدود الدول.
قامت إسرائيل بغارة مفاجئة دمرت الطيران المصري وهو جاثم على الأرض، وأعقبها اجتياح بري، بينما كانت قواتنا في معظمها من جنود وضباط الاحتياط، أما الجيش النظامي فكان غارقًا في مستنقع اليمن.

ومثل كل حرب، كانت البداية خدعة.
إيهام بأن هناك غزوًا لسوريًا وشيكًا، وإشارات استخباراتية مغلوطة جرى تسريبها بدقة متعمدة، استدرجت القيادة المصرية إلى حافة الخطر، فانسحبَت قوات الأمم المتحدة من سيناء، وأُغلقت المضائق البحرية.
ثم اشتعلت الحرب.

لكن… وسط كل تلك الوقائع، هناك حكاية لم تكن في نشرات الأخبار.

شابٌ مصري في السادسة والعشرين من عمره، أنهى دراسته العليا في أوروبا، وعاد ليبدأ حياة جديدة، بزواج لم يكمل شهره الرابع.
كان يبتسم للمستقبل، لكنه لبّى نداء الواجب حين استدعاه الجيش ضمن نظام الاستدعاء الاحتياطي المعمول به حتى اليوم.

لم يكن وحده من ذهب إلى سيناء، كان معه زملاؤه، يحملون الحلم في قلوبهم، يرددون الهتافات في الشوارع، تصاحبهم الأغاني الحماسية.
لكن الحلم انكسر سريعًا…
وفي صباح الخامس من يونيو، حين مرّت الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم وهي عائدة من ضرب المطارات… جاء القرار: انسحاب فوري.